0 معجب 0 شخص غير معجب
في تصنيف ثقافات عامة بواسطة (8.9مليون نقاط)
دروس من قصة ابراهيم عليه السلام 2

https://www.nalalm.com/22343/1

يتبع

بعد ذلك امتن الله تعالى على إبراهيم ( بتلك الحجة العظيمة التي أقامها إبراهيم ( على قومه، وأن الذي آتاها إبراهيم هو الله تعالى، ولولا هدايته لإقامة هذه الحجة ما اهتدى ، فهو الذي يرفع من يشاء في العلم والحكمة وإقامة الحجة درجات، وهو الذي يهب الناس قوة البيان، وحضور البديهة – يمتن الله تعالى عليه بذلك الأسلوب الساحر، وأعجب منه تلك المحاجة التي ذكرها الله في سورة البقرة:

( أَلَمْ تَرَ إِلى الَّذي حاجَّ إِبْراهيمَ في رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهيمُ رَبِّيَ الَّذي يُحْيي وَيُميتُ قالَ أَنا أُحْيي وَأُميتُ قالَ إِبْراهيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذي كَفَرَ واللَّهُ لا يَهْدي الْقَوْمَ الظّالِمينَ (().

يقول إبراهيم لمناظره : (ربي الذي يحيي ويميت(. والمراد أنه هو الذي يهب الحياة وينزعها فقال (أنا أحيي وأميت( يريد أنه يستبقى الحي، وتلك الحياة له، وأنه يتعدى على الحي فيموت، وبذلك ظن أنه يماثل إله إبراهيم ( ، وأنها حجة، فترك إبراهيم ( ذلك الطريق، وسلك به أسلوباً آخر لا يستطيع أن يرد عليه، فقال: (إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأتِ بها من المغرب(. وهي حجة لا تقبل جدلاً، ولا تتحمل تأويلاً، ولذلك بهت بها الذي كفر، وفلج بها نبي الله إبراهيم ( ، وهي مقدرة عظيمة، وقوة نادرة يهبها الله لمن يشاء من عباده، ومن شكر الله على هذه النعمة أن لا نستعملها في إضعاف حق، أو ترويج باطل، وأن لا نعطلها عند الحاجة إليها، سكوت على الباطل حتى يشيع، وترك الحق مخذولاً غير منتصر، ويحاسب الله تعالى على ذلك البيان وهذه النعمة : (ثمَّ لتسألن يومئذٍ عن النعيم(().

( ( (

إبراهيم - ( - مع أبيه

قال تعالى في سورة مريم:

(واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا ( إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا ( يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا ( يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا ( يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا ( قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا ( قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا ( وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا(().

بهذا اللطف في الخطاب يتوجه إبراهيم إلى أبيـه، يحاول أن يهديه إلى الخير الذي هداه الله إليه ، وعلمه إياه ؛ وهو يتحبب إليه فيخاطبه : (يا أبتِ(. ويسأله : (لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً(. والأصل في العبادة أن يتوجه بها الإنسان إلى صاحب العلم المطلق والقوة المطلقة خالق الإنسان بل خالق كل شيء ، وأن يرفعها إلى مقام العظيم رب الإنسان وخالقه . فكيف يتوجه بها إذن إلى ما هو دون الإنسان ، بل إلى ما هو في مرتبة أدنى من مرتبة الحيوان، لا يسمع ولا يبصر ولا يملك ضراً ولا نفعاً، إذ كان أبوه وقومه يعبدون الأصنام كما هو حال قريش الذين يواجههم الإسلام.

هذه هي اللمسة الأولى التي يبدأ بها إبراهيم دعوته لابيه، ثمَّ يتبعها بأنه لا يقول هذا من نفسه، إنما هو العلم الذي جاءه من الله فهداه، ولو أنه أصغر من أبيه سناً وأقل تجربة ، ولكن المدد العلوي جعله يفقه ويعرف الحق ؛ فهو ينصح أباه الذي لم يتلق هذا العلم، ليتبعه في الطريق الذي هدى إليه:

(يا أبتِ إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطاً سوياً..(.

فليس هناك غضاضة في أن يتبع الوالد ولده، إذا كان الولد على اتصال بمصدر أعلى . فإنما يتبع ذلك المصدر، ويسير في الطريق إلى الهدى.

وبعد هذا الكشف عما في عبادة الأصنام من نكارة، يبين له أن طريقه هو الطريق الشيطان، وهو يريد أن يهديه إلى طريق الرحمن، فهو يخشى أن يغضب الله عليه فيقضي عليه أن يكون من أتباع الشيطان.

( يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً , يا أَبَتِ إِنّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيّاً (().

والشيطان هو الذي يغري بعبادة الأصنام من دون الله، فالذي يعبدها يتعبد الشيطان والشيطان عاصٍ للرحمن. وإبراهيم ( يحذر أباه أن يغضب الله عليه فيعاقبه فيجعله ولياً للشيطان وتابعاً. فهداية الله لعباده إلى الطاعة نعمة؛ وقضاؤه عليه أن يكون من أولياء الشيطان نقمة .. تقوده إلى عذاب أشد وخسارة أفدح يوم يقوم الحساب.

ولكن هذه الدعوة اللطيفة بأحب الألفاظ وأرقاها لا تصل إلى القلب المشرك القاسي، فإذا أبو إبراهيم ( يقابله بالاستنكار والتهديد والوعيد:

( قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتي يا إِبْراهيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ واهْجُرْني مَلِيّاً (().

أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم ، وكاره لعبادتها ومعرض عنها ؟ أو بلغ بك الأمر إلى هذا الحد من الجراءة ؟ ! فهذا إنذار لك بالموت الفظيع إن أنت أصررت على هذا الموقف الشنيع : (لئن لم تنتهي لأرجمنك(، فاغرب عن وجهي وابعد عني طويلاً استبقاءً لحياتك إن كنت تريد النجاة: (واهجرني ملياً(.

بهذه الجهالة تلقى الرجل الدعوة إلى الهدى. وبهذه القسوة قابل القول المؤدب المهذب. وذلك شأن الإيمان مع الكفر؛ وشأن القلب الذي هذبه الإيمان والقلب الذي أفسده الكفر.

ولم يغضب إبراهيم الحليم .. ولم يفقد بره وعطفه وأدبه مع أبيه: ( قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبّي إِنَّهُ كانَ بي حَفِيّاً،وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعونَ مِنْ دونِ اللَّهِ وَأَدْعو رَبّي عَسى أَلّا أَكونَ بِدُعاءِ رَبّي شَقِيّاً (().

سلامٌ عليك .. فلا جدال ولا أذى ولا رد للتهديد بالوعيد .. سأدعو الله أن يغفر لك فلا يعاقبك في الضلال وتولى الشيطان ، بل يرحمك فيرزقك الهدى .. وقد عودني ربي أن يكرمني فيجيب دعائي. وإذا كان وجودي إلى جوارك ودعوتي لك إلى الإيمان تؤذيك فسأعتزلك أنت وقومك، وأعتزل ما تدعون من دون الله من الآلهة، وأدعو ربي وحده ، راجياً – بسبب دعائي – ألا يجعلني شقياً.

فالذي يرجوه إبراهيم ( هو مجرد تجنبه الشقاوة .. وذلك من الأدب والتحرج الذي يستشعره، فهو لا يرى لنفسه فضلاً، ولا يتطلع إلى أكثر من تجنبه الشقاوة.

وهكذا اعتزل إبراهيم أباه وقومه وعبادتهم وآلهتهم وهجر أهله ودياره، فلم يتركه الله وحده . بل وهب له ذرية وعوضه خيراً :

ثمَّ نلتفت إلى ما أراد القرآن الكريم أن يبينه لرسول الله ( ويلفت إليه المؤمنين بعد ذلك بما يأتي:

أن إبراهيم ( كان صِديقاً نبياً، ومع ذلك لم يُقبل نصحه وتوجيهه.

ثمَّ صاحب هذا النبي الصديق تلطف حسن ولفظ حيي وأسلوب حميم وتواضع جم لأبيه مع ذكر لحقائق شاهدة على أن الحجارة والأصنام ليست معبودات ولا يمكن أن تكون.

تذكير بروابط الأبوة التي تدعو إلى الشفقة والحنو والنصح خطاب عظيم وأسلوب موفق يدعو إلى الثقة. وسماع النصيحة واستدعاء للعواطف النبيلة، تماماً كما نادى الرسول ( قومه بقوله: "والله لو كذبت الناس جميعاً ما اكذبتكم، ولو ضللت الناس جميعاً ما ضللتكم"، يحاول الرسول ( كما حاول إبراهيم ( أن يكسر حدة الشر في قومه بهذه العواطف النبيلة.

أبان إبراهيم ( في صراحة ووضوح لأبيه أن هذا الذي يقوله علم رباني وحقائق إلهية ثابتة، وهذا يزيد الأمور وضوحاً للحق، ولكن الغشاوة لم تنقشع والإصرار على الباطل لم يلن أو يرتدع.

توالت النصائح وتوالت البيانات، ولم يزدد الأب الجامح إِلاَّ عناداً ، ومع هذا فإبراهيم ( لا يخرج عن طبعه العظيم وحلمه المكين وتواضعه الجم الذي يظهر درجة الصديقين والنبوة بوضوح ، ليكون مثلاً يحتذى في الصبر والثبات والإيمان.

أبانت الآيات مقدار الفظاظة والغلظة عند الأب المشرك ومدى الوعيد والقسوة التي ينضح بها الشرك. وبعدها لم يملك إبراهيم ( إِلاَّ أن يقول ( قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبّي إِنَّهُ كانَ بي حَفِيّاً (.

( ( (

قال تعالى:

( واتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهيمَ ( إِذْ قالَ لِأَبيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدونَ ( قالوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفينَ ( قالَ هَلْ يَسْمَعونَكُمْ إِذْ تَدْعونَ ( أَوْ يَنْفَعونَكُمْ أَوْ يَضُرّونَ ( قالوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذَلِكَ يَفْعَلونَ ( قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدونَ ( أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمونَ ( فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لي إِلّا رَبَّ الْعالَمينَ ( الَّذي خَلَقَني فَهُوَ يَهْدينِ (والَّذي هُوَ يُطْعِمُني وَيَسْقينِ ( وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفينِ ( والَّذي يُميتُني ثُمَّ يُحْيينِ ( والَّذي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لي خَطيئَتي يَوْمَ الدّينِ (رَبِّ هَبْ لي حُكْماً وَأَلْحِقْني بِالصّالِحينَ ( واجْعَلْ لي لِسانَ صِدْقٍ في الْآخِرينَ (واجْعَلْني مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعيمِ (واغْفِرْ لِأَبي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضّالّينَ (وَلا تُخْزِني يَوْمَ يَبْعَثونَ (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنونَ ( إِلّا مَنْ أَتى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَليمٍ (().

من فضلك سجل دخولك أو قم بتسجيل حساب للإجابة على هذا السؤال

اسئلة متعلقة

0 معجب 0 شخص غير معجب
0 إجابة
0 معجب 0 شخص غير معجب
0 إجابة
0 معجب 0 شخص غير معجب
0 إجابة
0 معجب 0 شخص غير معجب
1 إجابة
0 معجب 0 شخص غير معجب
1 إجابة
0 معجب 0 شخص غير معجب
1 إجابة
0 معجب 0 شخص غير معجب
0 إجابة
0 معجب 0 شخص غير معجب
0 إجابة
...