0 معجب 0 شخص غير معجب
في تصنيف ثقافات عامة بواسطة (8.9مليون نقاط)
دروس من قصه ابراهيم عليه السلام 1

إبراهيم ( كان فتى في أهل "فدان آرام" بالعراق() وكان أبوه نجاراً ينحت الأصنام ويبيعها ممن يعبدها – كما نص على ذلك في إنجيل برنابا – وأن إبراهيم كان قد أنار الله بصيرته وهداه إلى الرشد؛ فعلم أن الأصنام لا تسمع ولا تبصر، ولا تسمع نداء ولا تجيب دعاء، ولا تضر ولا تنفع، وأنها لا تباين بنات صنفها من سائر الخشب، وان أباه هو الذي يصنعها.

وأن إبراهيم نوى الدمار في نفسه لهذه الآلهة التي جمدوا على عبادتها ولم يفدهم موعظة ولا برهان عن الغواية بها، فأقسم في نفسه أن يلحق بها الأذى.

وهذه الطريقة أراد بها أن يفهم القوم مركز آلهتهم . ويقيم لهم الحجة عملاً على أنها لا يمكن أن تلحق بهم أذى إذا تركوا عبادتها ، أو تكسهم خيراً إذا عبدوها ؛ لأن البرهان العملي أوقع في النفس وأرجى أن يحرز القبول.

فقال في نفسه كما ورد في سورة الأنبياء إذ قال تعالى:

(وَتاللَّهِ لَأَكيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلّوا مُدْبِرينَ( فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلّا كَبيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعونَ( قالوا مَنْ فَعَلَ هَذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظّالِمينَ ( قالوا سَمِعْنا فَتىً يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهيمُ )

وأن قصة إبراهيم ( ترتبط بها قصص أخرى كقصة لوط ( ، لأن إبراهيم ولوطاً- عليهما السلام - كانا متعاصرين، ولوط ( ابن أخ لإبراهيم ( ، وقد آمن لوط بعمه إبراهيم ( كما قال تعالى: ( فآمَنَ لَهُ لوطٌ وَقالَ إِنّي مُهاجِرٌ إِلى رَبّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزيزُ الْحَكيمُ (،

( ( (

وتبدأ القصة بقوله تعالى:

( وَإِذْ قالَ إِبْراهيمُ لِأَبيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنّي أَراكَ وَقَوْمَكَ في ضَلالٍ مُبينٍ ( وَكَذَلِكَ نُري إِبْراهيمَ مَلَكوتَ السَّماواتِ والْأَرْضِ وَلِيَكونَ مِنَ الْموقِنينَ ( فَلَمّا جَنَّ عَلَيْهِ الْلَيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هَذا رَبّي فَلَمّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلينَ ( فَلَمّا رَأى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هَذا رَبّي فَلَمّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِني رَبّي لَأَكوَنَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضّالّينَ ( فَلَمّا رَأى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هَذا رَبّي هَذا أَكْبَرُ فَلَمّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنّي بَريءٌ مِمّا تُشْرِكونَ ( إِنّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذي فَطَرَ السَّماواتِ والْأَرْضَ حَنيفاً وَما أَنا مِنَ الْمُشْرِكينَ ( [80] {وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجّونّي في اللَّهِ وَقَدْ هَدانِ وَلا أَخافُ ما تُشْرِكونَ بِهِ إِلّا أَنْ يَشاءَ رَبّي شَيْئاً وَسِعَ رَبّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرونَ ( وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً فَأَيُّ الْفَريقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمونَ ( الَّذينَ آمَنوا وَلَمْ يَلْبِسوا إيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدونَ ( وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكيمٌ عَليمٌ (().

إنه مشهد باهر هذا الذي يرسمه السياق القرآني في هذه الآيات .. مشهد الفطرة وهي – للوهلة الأولى – تنكر تصورات الجاهلية في الأصنام وتستنكرها، وهي تنطلق بعد إذ نفضت عنها هذا الخرافة في شوق عميق، دافق تبحث عن إلهها الحق، الذي تجده في ضميرها، ولكنها لا تتبينه في وعيها وإدراكها. وهي تتعلق في لهفتها المكنونة بكل ما يلوح أنه يمكن أن يكون في هذا الإله ! حتى إذا خبرته وجدته زائفاً ، ولم تجد فيه المطابقة لما هو مكنون فيها من حقيقة الإله وصفته .. ثمَّ وهي تجد تشرق فيها وتتجلى لها . وهي تنطلق بالفرحة الكبرى، والامتلاء الجياش، بهذه الحقيقة، وهي تعلن في جيشان اللقيا عن يقينها الذي وجدته من مطابقة الحقيقة التي انتهت إليها بوعيها للحقيقة التي كانت كامنة من قبل فيها ! إنه مشهد رائع باهر هذا الذي يتجلى في قلب إبراهيم ( والسياق يعرض التجربة الكبرى التي اجتازها في هذه الآيات القصار .. إنها قصة الفطرة مع الحق والباطل. وقصة العقيدة كذلك يصدع بها المؤمن ولا يخشى فيها لومة لائم؛ ولا يجامل على حسابها أباً ولا أسرة ولا عشيرة ولا قوماً .. كما وقف إبراهيم من أبيه وقومه هذه الوقفة الصلبة الحاسمة الصريحة:

(وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناماً آلهة إني أراك وقومك في ضلالٍ مبين..(.

إنها الفطرة تنطق على لسان إبراهيم . إنه لم يهتد بعد بوعيه وإداركه – إلى إلهه – ولكن فطرته تنكر ابتداء أن تكون هذه الأصنام التي يعبدها قومه آلهة – وقوم إبراهيم من الكلدانيين بالعراق كانوا يعبدون الأصنام كما كانوا يعبدون الكواكب والنجوم – فالإله الذي يعبد ، والذي يتوجه إليه في السراء والضراء، والذي خلق الناس والإحياء .. هذا الإله في فطرة إبراهيم لا يمكن أن يكون صنماً من حجر، أو وثناً من خشب .. وإذا لم تكن هذه الأصنام هي التي تخلق وترزق وتسمع وتستجيب – وهذا ظاهر من حولها للعيان – فما هي التي تستحق أن تعبد؛ وما هي بالتي تتخذ آلهة حتى على سبيل الواسطة بين الإله الحق والعباد !

وإذن فهو الضلال البين تحسه فطرة إبراهيم ( للوهلة الأولى . وهي النموذج الكامل للفطرة التي فطر الله الناس عليها .. ثمَّ هي النموذج الكامل للفطرة وهي تواجه الضلال البين، فتنكره وتستنكره، ويريد الحق سبحانه أن يرينا ما يلي:

يرينا الله تعالى أن نبي الله إبراهيم ( رأى أباه وقومه يعبدون الأصنام فأنكر عليهم، ولم تمنعه البنوة من ذلك الإنكار، ليرينا أنه لم يكن من الأدب مع الآباء تركهم وما هم فيه من باطل تأدباً معهم، ولئن كان ذلك العمل مغضباً للآباء فهو مُرضٍ للرب، وحق الله فوق حق الآباء، ومن ناحية أخرى فإن الأب قد أحسن إلى ولده الإحسان كله بتربيته والأنعام عليه، فكان من اللائق مكافأته على ذلك الإحسان، وإن أكبر إحسان للأب دعوته إلى ما فيه سعادته، وإنقاذه من عذاب الله، ومن فوائد دعوة إبراهيم ( لأبيه أن يقيم الحجة على قومه، حتى لا يقولوا لماذا يدع أقاربه في ضلالهم ويدعونا ؟ أليس من اللائق أن لا يفرق بين قريب وبعيد إذا كان ما يقوله حقاً، فلكي تنقطع أعذارهم دعا أباه إلى عبادة الله وحده، كما دعا قومه، ولعل هذا هو السر في تكليف نبينا محمد ( بإنذار عشيرته الأقربين قبل إنذاره لقومه، وقد صدع بالأمر، وأخذ يجمعهم ويخوفهم من الله، ويريهم أنه لا يغني عنهم من عذاب الله شيئاً إذا هم خالفوه، وأخذ يقول "يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئاً. يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئاً، ويا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئاً"() من ذلك نعرف أن نبي الله إبراهيم ( كان قوياً في الحق، شديداً على أهل الضلال أياً كانت مكانتهم منه، ألا تراه يقول لأبيه آزر: (إني أراك وقومك في ضلالٍ مبين(().

وكما أرى الله إبراهيم ( قبح عبادة الأصنام أراه: (ملكوت السماوات والأرض(().

وما أودع فيهما من آيات، وما اشتملا عليه من دلائل ولأجل أن يكون إبراهيم ( موقناً بوحدانية الله وقدرته وحكمته فعل به ما فعل، وأراه بعيني بصيرته من جلال الله وجماله ما أراه .

تأمل كيف استطاع إبراهيم ( أن يحج قومه بطريق الاستدراج ، فحينما جنى عليه الليل رأى كوكباً فقال لقومه بأسلوب المتهكم (هذا ربي(. فلما غاب ذلك الكوكب قال (لا أحب الآفلين( فلا أعبد إلهاً يحضر أحياناً ويغيب أحياناً (فلما رأى القمر بازغاً قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين(()، وكيف أعبد إلهاً يضيء بعض الوقت ويغيب البعض الآخر، ومن الذي يهديني من الضلال إذا هو غاب ؟ (فلما رأى الشمس بازغةً قال هذا ربي هذا أكبر(()، لأن ضوءها أشد، ونفعها أعم: (فلما أفلت قال يا قوم إني برئ مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين(()، وهي مهارة من نبي الله إبراهيم ( ، واستدراج للقوم حتى أقام عليهم الحجة، ووضع أيديهم على مواطن الضعف منهم، انتقل بهم من كوكب إلى كوكب، وأراهم أن موقفه منهم موقف الباحث، حتى لا ينفروا من مجادلته، وأراهم أن الكواكب على اختلافها قوة وضعفاً لا يصلح واحد منها أن يكون إلهاً معبوداً لأنها تغيب وتشرق ، ثمَّ بعد أن أقام الحجة عليهم بذلك الأسلوب اللين، أملى عليهم عقيدته، فأراهم أنه بريء مما يشركون بالله، وأنه أسلم وجهه للإله الذي فطر السموات والأرض مائلاً من الباطل إلى الخالق، وما أنا من المشركين.

يرينا الله تعالى أن قوم إبراهيم جادلوه في الله، وحاجوه في توحيده، وخوفوه من آلهتهم أن يصيبه سوء منهم، فأنكر عليهم هذه المحاجة وقد هداه الله إلى التوحيد، وأراهم أنه لا يخاف شركاءهم أن ينزلوا به سوءاً إِلاَّ إذ شاء الله ذلك السوء، فهو الذي يُخَاف، لأنه وسع كل شيءٍ علماً، ولو كانوا من أهل التذكر ما خوفوه من آلهتهم، ثمَّ أراهم أنه كيف يخاف شركاءهم وهم خلق من خلق الله، ولا يخافون هم أن يشركوا بالله ما لم ينزل به عليهم برهاناً ودليلاً، وأي الفريقين أحق بالأمن : إبراهيم الموحد ( ، أم قومه المشركون، ثمَّ ختم الآية بقوله تعالى:

(الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلمٍ أولئك لهم الأمن وهم مهتدون(().

ليريهم أن الأحق بالأمن هم أهل التوحيد الخالص، والإيمان الصحيح، الذين لم يخلطوا إيمانهم بظلمهم لأنفسهم، أما أهل الشرك، وعباد الأوثان فليسوا أهلاً للأمن من عذاب الله، وطمأنينة القلب:

(ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكانٍ سحيق(().

من فضلك سجل دخولك أو قم بتسجيل حساب للإجابة على هذا السؤال

اسئلة متعلقة

0 معجب 0 شخص غير معجب
0 إجابة
0 معجب 0 شخص غير معجب
0 إجابة
0 معجب 0 شخص غير معجب
0 إجابة
0 معجب 0 شخص غير معجب
1 إجابة
0 معجب 0 شخص غير معجب
1 إجابة
0 معجب 0 شخص غير معجب
1 إجابة
0 معجب 0 شخص غير معجب
0 إجابة
0 معجب 0 شخص غير معجب
0 إجابة
...